الله ليس في مكان

لو أعتقد المكلف بأن الله وحاشاه في مكان، فيلزم من ذلك أنه محدود، لأن المكان هو الذي يحيط بالشيء، وهذا معلوم فلو كان هنالك شيء يقال أنه في مكان فأن وجود الشيء في المكان يلزم منه عقلًا أنه أُحيط به، والذي يحاط به لايمكن الا أن يكون محدوداً لعلة الأحاطة، مثال على ذلك: لو كان هنالك شيءٌ في الغرفة يلزم من أحاطة الغرفة للشيء أن للشيء حد، لأنه حجمه أصبح معلوم بالضرورة لعلة الاحاطة.
وقرينة ذلك ما روي عن الصادق عليه السلام: ((من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو على شئ فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثا، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه على شئ فقد جعله محمولا)). التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٣١٧

وإن قال المخالف، قال تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه: 5]

وقال: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ﴾ [الملك: 16]

الخ...

فنقول أن جميع هذه الآيات لها تأويل، مثلًا: الآية الأولى يتطرق الاحتمال أن معناها كالآتي: الرحمن على العرش استوى، أي: على الملك احتوى، لأن العرش قد يأتي بمعنى الملك، مثلًا لو قيل أن فلان استولى على عرش فارس، فلا يُتخيل ابتداءً انه سرق كرسي فارس، وانما استولى على عرشه أي على ملكه "مملكته"، وهذا في باب الترجيح متطرق، وكذلك كلمة استوى، وكما قال الشاعر: استوى بشرٌ على العراق من غير سيف ودم مهراق.

وأما الآية الثانية فيتطرق الاحتمال فيها الى تأويلاتٍ عديدة، وقد تأتي السماء بمعنى السمو، وغير ذلك من التأويليات، واذا تطرق الاحتمال بطل الاستدلال.

فلذلك لا بد من ضابطة في التأويل، وقد قال تعالى: ﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ﴾ [آل عمران: 7]

ونحن نرجع في ذلك الى ائمتنا المعصومون الراسخون في العلم.

ويكفي زيادة اعتبارية تطرق الاحتمالات، قوله تعالى: ﴿فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة: 115]