شبهة مشاهدة النبي لزوجة زيد
نص الشبهة: وردت في كتاب تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج٢ ص١٧٢: ((وقال علي بن إبراهيم في قوله (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) قال: فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزول ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأي زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا فاشتراه فلما نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا، فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب ان ابني وقع عليه السبي وبلغني انه صار إلى ابن أخيك فسله اما ان يبيعه واما ان يفاديه واما ان يعتقه، فكلم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب كيف يشاء، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني الحق بشرفك وحسبك، فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا، فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش؟ فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ما دمت حيا، فغضب أبوه فقال: يا معشر قريش اشهدوا اني قد برئت منه وليس هو ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا ان زيدا ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد: هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك، ثم حكى الله فقال: (امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها - إلى قوله - وكان امر الله مفعولا) فزوجه الله من فوق عرشه)).
الجواب الحلي
لقد ورد عندنا خبرٌ عن الإمام في رد هذه الشبهة حيث طرحها المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) والقصة في عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج٢ ص١٨٠: (( فأخبرني عن قول الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك زوجك واتق الله وتخفى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشيه) قال الرضا عليه السلام: ان رسول الله (ص) قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر اراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك! وإنما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز وجل: (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا انكم لتقولون قولا عظيما) فقال النبي: لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك ان يتخذ له ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله (ص) وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي (ص) وقال له: يا رسول الله ان امرأتي في خلقها سوء وانى أريد طلاقها فقال النبي (ص): أمسك عليك زوجك واتق الله وقد كان الله عز وجل عرفه عدد أزواجه وان تلك المراه منهن فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشي الناس ان يقولوا: ان محمدا يقول لمولاه: ان امرأتك ستكون لي زوجه يعيبونه بذلك فأنزل الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) يعنى بالاسلام (وأنعمت عليه) يعنى بالعتق (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه) ثم إن زيد بن حارثه طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد (ص) وانزل بذلك قرآنا فقال عز وجل: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) ثم علم الله عز وجل ان المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل الله تعالى: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له) فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله وأوضحت لي ما كان ملتبسا على فجزاك الله عن أنبيائه وعن الاسلام خيرا)).
وحتى لو لم يرد هذا الخبر في بيان ذلك فجوابنا على الشبهة المطروحة في الأعلى سيكون في فرض وقوع التشويه لصورة رسول الله من هذا الخبر، فلو افترضنا ان الخبر يدل على عدم اتصاف النبي الكريم بالخلق العظيم، فهذا محالٌ عقلًا وذلك لما ثبت لدينا ابتداءً من وجود الله والعدل الالهي والنبوة الالهية، فبعد هذا ثبت لنا عقلا عدالة الانبياء واتصافهم بالاخلاق، وثبت لنا تشخصيهم ومعرفتهم، فلو وجدنا خبر لو كان رجاله من اولهم الى اخرهم متصفين بالوثاقة، فهذا لايعني ان الخبر قطعي الصدور، في حال كونه آحادًا، ولو افترضنا صدوره، لا يعني انه قطعي اللفظ، ولو افترضنا صدور اللفظ بالوجه الصحيح لا على وجه النقل بالمعنى، فهذا لا يعني ان الخبر لا يخلو من التقية، خصوصًا لو كان موافقًا للعامة، التي بسببهم ترسخت تقية الائمة، ومع ذلك، فإن للخبر كلام، فكله قابل على التأويل في جانب الاخلاق لا في جانب الفحش، فإن الرسول صلى الله عليه وآله كان ذاهبًا الى زيد، وليس الى امرأته، ودليل ذلك في بداية الخبر، قوله: ((فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه))، فهذا دليلٌ على ان علة ذهابه صلى الله عليه وآله، هي للسؤال عن زيد، وليس لمشاهدة امرأته، ولكن حين صادف ان شاهد امرأته، وعندما نظر اليها، ذكر الله عز وجل ومدح خلقه، وهذا لعلّه في اعظم كمالات الايمان للعبد في هكذا موضع، وأي شيءٍ اعظم من ذكر الله تعالى؟ الا بذكر الله تطمئن القلوب، فحينها لم يبقى رسول الله معها، بل رجع الى منزله، ودليل ذلك قوله: ((ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله))، وحتى لو دل مفاد الخبر على أنها وقعت في نفسه صلى الله عليه وآله، فهذه قد تحمل على وجهين:
الأول: أنها لم تقع فعلًا في نفسه على وجه الحقيقة الشهوانية، وانما كان مفاد الخبر في هذا الكلام، هو تعليم الناس عن التصرف السليم في حال وقوع ذلك، فمعلومٌ ان افعال رسول الله هي سنة تقريرية للناس.
الثاني: انه لو وقعت في نفسه في باب الصدفة، فهذا يمكن أن يحمل على قوله تعالى: ((قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ))، فهذا قد يحمل على أنّ رسول الله مخير وله عواطف وله اراده، وهذا من صفاة المودة والرحمة، ولكن مع ذلك، رسول الله اعطى للبشرية درسًا، حيث أنه كظم عواطفه، وترك رغباته وراء ظهره، واتقى الله وذكره، ورجع الى داره، بدليل قوله: ((ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله))، بل زيادةً على ذلك، تخيلوا معي، ان زيد اتى رسول الله في نفس الخبر، ومن حبه له، ومودته له، كان يريد ان يطلق زوجته، ويعطيها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن! رسول الله ماذا قال؟ قال: ((اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك)).
الخلاصة، كل هذا الجواب الحلي في حال افتراض صدور الخبر، فمعلومٌ ان المتن المتفرد لفظًا في سندٍ واحد، هو في ذاته ظني الثبوت، وقد قال تعالى: ((وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ)).
الجواب النقضي
لو حاول المخالفون، التشنيع علينا في هذا الخبر، ورفضوا الجواب الحَلي، فسيكون الرد عليهم الزامًا، ان مفاد هذا الخبر قد ورد عندهم، بل بَنَوا عليه أَحكامًا في ذلك! وهذا ورد في:
«تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن» (14/ 212): ((العاشر- إذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها، وحل له نكاحها. قال ابن العربي: هكذا قال إمام الحرمين، وقد مضى ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى)).