نفي التجسيم
قال الاشعري: المذهب الإمامي كان الطابع العام له التجسيم والجبر في أواخر القرن الثاني والقرن الثالث.
1. القميون كانوا هم المركز العلمي والثقل الروائي للشيعة ضمن هذه الفترة.
يتكلم المرتضى عنهم فيقول: ((إن القميين كلهم من غير استثناء لأحد منهم، إلا أبا جعفر ابن بابويه رحمه الله بالأمس كانوا مشبهة مجبرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به)).
يلاحظ أن المرتضى:
- ذكر هذا الكلام في معرض رفض أحاديث الآحاد يريد بهذا إسقاط الاعتماد على حديث الآحاد بأن يسقط رواية القميين الذين هم أعمدة الرواية في فترة القرن الثالث.
- يلاحظ أن المرتضى يعتمد على كتب يقرأها بين يديه وليس الأمر مرسلا.
2. هذه الفترة يصفها الجاحظ المتوفى سنة 255ه بما نقل عنه ابن تيمية:
يقول ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية»: ((الْجَاحِظُ فِي كِتَابِهِ " الْحُجَجِ فِي النُّبُوَّةِ " لَيْسَ عَلَى ظَهْرِهَا رَافِضِيٌّ إِلَّا وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ رَبَّهُ مِثْلُهُ، وَأَنَّ الْبَدَوَاتِ تُعْرَضُ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ كَوْنِهِ إِلَّا بِعِلْمٍ يَخْلُقُهُ لِنَفْسِهِ)).
وهذا يؤكد استقرار مثل هذا القول عنهم وشيوعه مع القول بالبداء بمعنى حدوث العلم المسبوق بالجهل بما سيكون كل ذلك من راصد متقدم جدا معاصر لتلك الفترة.
ويقول الجاحظ في كتاب الحيوان عن عين الطائفة ومتكلمهم في ذلك الوقت هشام بن الحكم: ((وذكر محمّد بن سلّام عن أبان بن عثمان قال: قال رجل من أهل الكوفة لهشام ابن الحكم: أترى الله عزّ وجلّ في عدله وفضله كلّفنا ما لا نطيق ثمّ يعذّبنا؟! قال: قد والله فعل، وكنّا لا نستطيع أن نتكلّم به!»)).
يقول أبو الحسن الأشعري المتتبع للمقالات عن فرقته: ((الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم)).
أقول : أن القميين هم من نقلوا أخبار التنزيه، كابن الصلت وابن الوليد ويونس وعلي بن ابراهيم وابوه وابن قولويه وسعد بن عبدالله واحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى، ومع كل هذا لا يبقى لكلام المرتضى اي قيمة.
اما لو كنت تبحث عن زلات العلماء فهاتيك زلات شيخك الرازي على ما نقله ابن حجر: ((وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ نَقْلًا وَعَقْلًا، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ فِيهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فتح الباري)).
كما لا عبرة بما حكام الجاحظ ولا بعض المعتزلة، كيف والمعتزلة انما يسندون تنزيهم لأمير المؤمنين عليٍ عليه السلام.
قال القاضي عبد الجبار المعتزلي : فأمَّا أمير المؤمنين - عليه السلام - فخطبه في بيان نفي التشبيه ، وفي إثبات العدل أكثر من أن تحصى، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة.
وقال أبو الحسن العامري(ت:381هـ/992م): «ثم أجوبة المسائل الشكيّة للإمام الأجل علي بن أبي طالب[رضي الله عنه] نزلت من الشهرة والقوة بحيث لا يليق بأحد من ذوي الألباب أن ينسب إلى الصحابة الإعراض عن صناعة الكلام. الإعلام بمناقب الإسلام.
فكيف مع هذا يمكن أنْ يقال ان الشيعة سرقت شيئًا من مباني المعتزلة!
أما نحن فحجتنا قوية وأدلتنا دامغة لأنّا نسند كلامنا هذا بروايات الثقات عن أئمتنا عليهم السلام، الذين سبقوا ظهور منهج الأعتزال. ولا أعلم كيف يتكلم الأشعري وإمامه اول من صرح بنفي الجسمية، وحتى هذا فيه خلاف، لا نعلم من سبق الاشعري في هذا الأنكار الواضح لظواهر الآيات، ترمينا والبلاء فيك والله المستعان. كما أننا يا مخالف نملك على الأقل احاديثًا صريحة في نفي الجسمية، فماذا تملك أنت؟ ثم على اي شيء تنفي عن نفسك تهمة التجسيم وأنت تقول بالرؤية لربك ولصفاته، هل يُسلّم لك اصلًا بأنَّك منزه؟
روى الكليني في الصحيح: ((عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زعم أن الله من شئ أو في شئ أو على شئ فقد كفر، قلت: فسر لي؟ قال: أعني بالحواية من الشئ له أو بامساك له أو من شئ سبقه)).
ملحوظة: نقل هذا الأشعري كلامًا عن ابي الحسن والعلاف وغيرهم، وحذفته لأن مساحة الكتابة لاتكفي، وليس فيه جديد سوى اتهامات الخصوم.
يوسف الجراح .